تخيل أنك تساعد زوجين على إعادة بناء الثقة، أو توجه شخصًا نحو علاقات أكثر صحة ونضجًا، أو تمكّن فريقًا من التواصل بفعالية غير مسبوقة. هذا هو الهدف النهائي لـ “كوتشينج العلاقات”: إحداث تغيير حقيقي عبر تقنيات مدروسة ودعم متخصص. لكن بينك وبين هذه النتيجة الجميلة… هناك بعض الأخطاء التي قد تجعلك تدور في حلقات لا تنتهي.

هل سبق لك أن بدأت مع عميل جديد وشعرتَ أنك تتحدث مع جدار؟ هل تعاملت مع حالة يبدو فيها كل شيء واضحًا في عينيك، لكن العميل لا يتحرك خطوة؟ إذا كنت تعمل في مجال العلاج النفسي، أو التدريب المهني، أو حتى قيادة الفرق، فربما شاركتَ – دون أن تدرك – في بعض الأخطاء الشائعة التي تقوض نتائج كوتشينج العلاقات منذ اللحظات الأولى.
الأمر الأول: افتراض أنك تفهم العميل قبل أن يستعرض مشاكله
في بداية العمل مع أي عميل، كثير من المدربين يقعون في فخ “التسرع بالحكم”. يرون بعض العلامات السطحية ويبدأون بإعداد خطة عمل دون الانتباه إلى أن العلاقة العميقة تتطلب وقتًا ومعرفة حقيقية.
الحل: استخدم جلسات الاستكشاف الأولية. لا تحكم، استمع. لا توجه، اسأل. لا تحاول تفسير ما يشعر به العميل، بل امنحه الفرصة ليشرحها لك بنفسه.
العلاقات لا تُبنى على افتراضات، بل على إدراك حقيقي.
أمثلة عملية
- مثال 1: بدأ مدرس في جلسة مع موظف يشكو من عدم تعاون الزملاء. فعلى الفور، افترض أنه يواجه نقصًا في مهارات القيادة، فبدأ بإعطائه نصائح حول القيادة. لكن بعد جلستين، اكتشف أن الموظف كان يعاني من مشكلة صحية لم تُكشف بعد، مما أثر على تفاعلاته الاجتماعية.
- مثال 2: مدرب علاقات بدأ مع عميل يظهر علامات القلق. فعلى الفور، اعتمد على خطة علاجية مسبقة. لكن العميل لم يكن مرتاحًا، لأنه لم يشعر بأنه فُهم. بعد جلسة استكشاف طويلة، اكتشف المدرب أن الخلل كان في عدم وضوح التوقعات، وليس مشكلة في القلق الذاتي كما ظن.
- مثال 3: في جلسة كوتتشنج عائلية، افترض المدرب أن أحد الأبناء هو المشكلة الأساسية، لأن سلوكه كان غير مرغوب فيه. لكن بعد جلسة تفصيلية، اتضح أن الطفل كان يستجيب لضغوط تمارسه الوالدة بشكل غير مباشر.
لماذا يحدث هذا الخطأ؟
غالباً ما يعود الخطأ إلى التسرع باتخاذ القرار، خاصة عندما يتمتع المدرب بخبرة سابقة. قد يكون لديه حالات مشابهة سابقة، لكن كل عميل مختلف، ويتطلب فهماً عميقاً خاصاً به. كما أن بعض المدربين يشعرون بالضغط الزمني أو التوقعات من العملاء، ما يدفعهم للإسراع في تقديم الحلول دون فهم المشكلة.
نصائح إضافية
- ابدأ بممارسة “الاستماع العميق” دون مقاطعة.
- اسأل أسئلة مفتوحة لتوضيح المشاعر والمواقف.
- تجنب استخدام العبارات التي تبدو حاسمة مثل “أعتقد أن المشكلة هي…” بل قل “هل يمكنني أن أفهم ما يحدث من وجهة نظرك؟”
- خصص جلسة كاملة للحصول على تاريخ العميل العاطفي والسلوكي.
الثاني: تجاهل التاريخ العاطفي للعميل
من أبرز أخطاء المبتدئين عدم إعطاء التقاليد الشخصية والعاطفية مكانها الكافي. هل مر العميل بعلاقات سابقة مجهدة؟ هل لديه تجارب سابقة مع المدربين أو المعالجين؟ كل هذه تشكّل الأساس العاطفي الذي يبني عليه العمل معه.
الحل: أدخل سؤالًا بسيطًا عن “ما الذي جعلك تصل إلى هذه النقطة اليوم؟”، ثم اترك المجال له دون مقاطعة. تجنّب الانطباع المسبق، واكتشف ما يحمله العميل من داخله.
أمثـلة عملية
- حالة 1: عميل يشكو من عدم قدرته على الثقة في الآخرين. بعد عدة جلسات، اتضح أنه مر بعلاقات سابقة كانت مليئة بالإهمال العاطفي، وهو ما لا يتم ذكره في أول جلسة.
- حالة 2: عميل يظهر مقاومة شديدة لتغيير سلوكه. بعد التعمق، اكتشف المدرب أن العميل كان يعاني من تدخلات علاجية سابقة لم تنجح، ما خلق لديه رهاباً من محاولة التغيير.
- حالة 3: زوجان في جلسة زواج، حيث بدا أحد الزوجين متفهماً بينما الآخر مقاومًا. بعد التقصي، تبين أن الطرف المقاوم مر بخيانة سابقة، ولم يتم معالجتها حتى الآن.
لماذا مهم فهم التاريخ؟
لأن التاريخ العاطفي يشكل طريقة تفكير العميل وسلوكه. إذا تجاهلت هذه الخلفية، فقد تقدم نصائح لا تتماشى مع الواقع النفسي للعميل، مما يخلق مقاومة أو فشل في التغيير. كما أن فهم التاريخ يساعدك على اختيار الأسلوب المناسب والتواصل به لتحسين العلاقة الكوتشنجية.
خطوات عملية
- خصص وقتاً كافياً في أول جلسة لفهم الخلفيات العاطفية.
- استخدم أدوات مثل “الرسم البياني للعلاقات السابقة” أو “جدول المشاعر عبر الزمن.”
- كن حذراً من التسرع في الحكم إذا لم يتم فهم السياق بشكل كامل.
- قدّم التقدير لتجارب العميل، واشجعه على تناولها باعتبارها أدوات فهم وليس عائقًا.
الثالث: التركيز على الحلول بدلًا من المشكلة
هذا خطأ شائع جدًا: المدرب يسعى لتقديم حلول سريعة، بينما العميل لا يزال يتحسس الألم في الداخل. “دعني أخبرك كيف يمكنك تصحيح هذا!” هو رد فعل طبيعي، ولكن ليس دائمًا هو الصحيح.
الحل: استخدم النموذج المعروف باسم الاستكشاف قبل التوجيه. دع العميل يعبر عن نفسه، ثم ساعده على رؤية الحلول بنفسه. لا تقدم له الجاهز، بل ساعده على تكوينه بنفسه.

أمثلة واقعية
- حالة 1: عميل يشتكي من عدم التواصل مع أسرته. بدلاً من تقديم حلول مباشرة، أعطى المدرب الوقت للتعبير عن مشاعره، فاتضح أن العميل يشعر بالإهمال منذ الطفولة، وليس لديه مهارات للتعبير عن حاجته للتعلق.
- حالة 2: زوجان كانا يبادلان الاتهامات باستمرار. بدلاً من تقديم نصائح سريعة، تم استخدام جلسات لفهم أن كل طرف يحاول حماية نفسه من الألم السابق، وليس بالضرورة إيذاء الطرف الآخر.
- حالة 3: موظف يشكو من عدم التقدير في العمل. بدلاً من اقتراح تغيير الوظيفة، تم التعمق في مشاعر العميل، فاتضح أنه يعاني من عدم تقدير الذات وليس بالضرورة من بيئة العمل.
كيف يمكن تجنب هذا الخطأ؟
التركيز على التعبير الحر للمشاكل يسمح للعميل بالمشاركة الكاملة في العملية، مما يعزز الالتزام بالحلول المستقبلية. إذا تم تقديم الحلول دون فهم كامل، فإن العميل قد لا يشعر بأنها تناسبه، وبالتالي لا يلتزم بها.
نصائح عملية
- ابدأ كل جلسة بعبارة مثل: “حدثني عن ما يقلقك.” دون مقاطعة.
- استخدم أدوات مثل “الرسم العاطفي” أو “الجدول الزمني للمشاعر” لمساعدة العميل على التعبير الذاتي.
- تأكد من أن العميل يفهم المشكلة بنفسه قبل التوجه نحو أي حل.
- شجع العميل على وضع الحلول بنفسه، مع دعمك كمدرب.
الرابع: عدم تحديد التوقعات من البداية
بدأ الجلسة بلا هدف واضح؟ لقد فتحت الباب أمام الضبابية. كثير من المبتدئين يتجاهلون أهمية وضع حدود واضحة ومتفق عليها بينهم وبين العميل منذ البداية.
- ما هي نتائج هذه العملية؟
- كم من الوقت سيستغرق الوصول إليها؟
- ما دور كل طرف؟
- متى يجب إعادة تقييم المسار؟
الحل: اعقد جلسة تحديد التوقعات أول مرة تلتقي فيها بالعميل. لا يوجد ضمانات، لكن هناك وضوح. وهذه أول خطوة نحو علاقة كوتشينج ناضجة.
أمثلة واقعية
- حالة 1: بدأ متدرب مع عميل يعاني من مشاكل عائلية. لم يتم تحديد عدد الجلسات أو الأهداف، فبعد خمس جلسات، أصبح العميل محتارًا بشأن التقدم، وشعر أن المدرب لا يهتم بالنتائج.
- حالة 2: في جلسة زوجية، لم يتم تحديد دور كل طرف في التغيير، مما أدى إلى توجيه اتهامات متبادلة لعدم “التعاون”، بينما كل طرف كان ينتظر الآخر أن يتغير.
- حالة 3: مدرب بدأ مع عميل يعاني من ضعف الثقة بالنفس. لم يتم تحديد أهداف واضحة، وأجرى الجلسات بشكل عام، ما أدى إلى عدم وجود تحسين واضح بعد عدة أشهر.
لماذا التوقعات مهمة؟
تحديد التوقعات من البداية يخلق إطاراً مشتركاً يساعد العميل على فهم طبيعة العمل المتوقع منه، ويساعد المدرب على توجيه الجلسات بدقة. كما يقلل من فرص النزاع أو الإحباط في المستقبل.
أفضل الممارسات
- حدد عدد الجلسات المتوقعة، والأهداف القابلة للقياس.
- وثق الاتفاقات في وثيقة مكتوبة يوقع عليها الطرفان.
- خصص وقتاً دوريًا لمراجعة التقدم وإعادة تحديد التوقعات إذا لزم الأمر.
- وضح الالتزام المطلوب من كل طرف، بما في ذلك التمارين المنزلية.
الخامس: الإهمال الذاتي كمدرب
إذا كنت تتعامل مع قضايا عميقة وعاطفية يوميًا، فأنت تحتاج إلى “أنت” الصحي أولًا. كثير من المدربين ينسون أن كوتشينج العلاقات يتطلب أيضًا توازنًا داخليًا ودعمًا مستمرًا.
الحل: خصص وقتًا لتطوير نفسك، سواء من خلال التعلم المستمر أو التنظيم الذاتي أو حتى الاستعانة بمدرب لك. كوتشينج العلاقات ليس فقط عن الآخرين، بل عنك أنت أولًا.
أمثلة واقعية
- حالة 1: مدرب علاقات كان يتعامل مع حالات صعبة بشكل يومي، لكنه لم يكن يخصص وقتاً لنفسه. بدأ يشعر بالإرهاق العاطفي، وأصبح رد فعله غير مرحّب به مع العملاء.
- حالة 2: مدربة بدأت تعاني من توتر مزمن بسبب ضغوط العمل، مما أثر على قدرتها على التفاعل بشكل فعال مع العملاء، خاصة في الجلسات الحساسة.
- حالة 3: مدرب كان يتجنب طلب المساعدة من مدرّبين آخرين، ما أدى إلى تراكم الضغوط وعدم التطور المهني المستمر.
لماذا يُهمل الذات؟
غالبًا، يتم تشجيع المدربين على ترك “الذات” عند الباب، لكن هذا يؤدي إلى تراكم الضغوط والمشاعر السلبية، مما يؤثر سلبًا على العلاقة مع العملاء. كما أن عدم تطوير الذات يؤدي إلى تكرار الأخطاء أو عدم التطور المهني.
نصائح للعناية الذاتية
- خصص وقتًا أسبوعيًا للاسترخاء والتأمل أو الرياضة.
- اطلب ملاحظات من زملائك أو من مدرّبين آخرين.
- شارك في جلسات كوتتشنج شخصية كعملة تبادلية للمساعدة.
- لا تتردد في إعطاء نفسك استراحات قصيرة بين الجلسات الثقيلة.
السادس: التمسك بأسلوب واحد رغم اختلاف الحالات
التنوع في الأساليب هو ما يميز المدرب المحترف. استخدام نفس النهج مع جميع العملاء بسبب الراحة أو الخوف من التجريب يؤدي إلى نتائج محدودة.
الحل: درّب نفسك على أدوات متعددة. اقرأ، شارك في دورات، وكن مستعدًا لتكييف أساليبك حسب طبيعة كل عميل. لا يوجد “نموذج واحد صحيح”، بل هناك النهج المناسب لكل حالة.
أمثلة واقعية
- حالة 1: مدرب كان يعتمد على نهج الحوار التقليدي فقط، لكنه واجه عميلًا غير واثق من التعبير عن مشاعره، فكان الحل استخدام الأدوات البصرية مثل الرسوم لتسهيل التعبير العاطفي.
- حالة 2: عميل يعاني من قلق اجتماعي، وقد تجاهل المدرب استخدام أدوات مثل “التمارين الكتابية” أو “التدريب الإدراكي”، مما أدى إلى عدم فعالية الجلسات.
- حالة 3: في جلسة عائلية، تم تطبيق نهج فردي تقليدي، وتجاهل استخدام “اللعب العائلي” أو الأنشطة التفاعلية، ما جعل العلاقة بين الأفراد تبقى سطحية.
لماذا التنوع مهم؟
لأن كل حالة فريدة من نوعها، وتختلف بحسب خلفية العميل ومستوى الراحة والثقة. استخدام أدوات متنوعة يسهل على العميل التعبير عن نفسه بطرق مختلفة، مما يعزز فعالية العملية.
أدوات متنوعة تستطيع استخدامها
- الرسم العاطفي والخرائط الذهنية.
- التمارين الكتابية مثل “رسالة إلى نفسي”.
- الألعاب العائلية أو التفاعلية.
- أساليب التأمل والإرشاد الذاتي.
- التدريب الإدراكي والتمارين السلوكية.
السابع: عدم التعامل مع المقاومة بحكمة
عندما يظهر العميل مقاومًا أو خائفًا من التغيير، فإن ردود الفعل الطبيعية هي: إقناعه، أو تسليمه، أو حتى إنهاؤه للجلسة. لكن المقاومة ليست عدوًا… بل رسالة.
الحل: اعتبر المقاومة نقطة انطلاق، وليس نقطة نهاية. سأل العميل عن مصدر الخوف، واستخدم أدوات مثل التحقق من السلامة النفسية والدعم المستمر.

أمثلة واقعية
- حالة 1: عميل كان يرفض الحديث عن موضوع معين، وبدأ المدرب يضغط عليه، مما زاد المقاومة. بعد أن توقف وتتبع المصدر، اكتشف أن العميل كان قد تعرض لإيذاء سابق، وكان الخوف من التكرار.
- حالة 2: في جلسة زوجية، أصبح أحد الزوجين صامتًا بشكل مبالغ فيه. بدلاً من تجاهله، طُلب منه التعبير عن مشاعره بطريقة غير مباشرة، مثل الرسم، ما ساعد على فتح القناة العاطفية.
- حالة 3: عميل كان يظهر مقاومة شديدة لتقنيات جديدة. تبيّن أن المقاومة كانت نتيجة لتجارب سابقة سلبية مع تقنيات مشابهة، مما يتطلب تدرجًا أبطأ.
كيف تتعامل مع المقاومة بحكمة؟
المقاومة غالباً ما تكون وسيلة للحماية. كن صبورًا، ولا تحاول إجبار العميل على التغيير. بل استخدم المقاومة كنقطة انطلاق لفهم أعمق للمشكلة. قد تكون المقاومة مؤشرًا على حاجة العميل ل больше أمان أو وقت قبل المتابعة.
نصائح للتعامل مع المقاومة
- لا تعامل المقاومة كمشكلة، بل كفرصة لفهم العميل بعمق.
- قدّم الأمان العاطفي من خلال التحقق من السلامة النفسية.
- استخدم تقنيات غير مباشرة مثل الرسم أو الكتابة.
- كن متاحًا للحوار دون ضغوط، وامنح العميل الوقت الكافي.
الخلاصة: كوتشينج العلاقات ليس فنًا… بل مهارة تُبنى
البداية الجيدة لا تعني مجرد معرفة نظرية، بل القدرة على تجنب الأخطاء التي توقف التقدم في مساره. كل خطوة خاطئة تُبعدك عن العميل، وكل خطوة صحيحة تقريبه من تحقيق التوازن الداخلي والعلاقات الصحية التي يستحقها.
لو كنت تبحث عن بناء علاقات عميقة، حقيقية، ومبنية على الثقة، فابدأ بإصلاح نهجك في كوتشينج العلاقات. ولا تنسَ أن تضع هذا المقال كمرجع دائم – فهو يحتوي على الدروس التي تستغرق سنوات لاكتسابها من التجربة والخطأ.



